حقوق اللاعبين الرياضيين في قطر: حماية العقود والمكافآت في ضوء التشريعات الحديثة

حقوق اللاعبين الرياضيين في قطر: حماية العقود والمكافآت في ضوء التشريعات الحديثة

حقوق اللاعبين الرياضيين في قطر: حماية العقود والمكافآت في ضوء التشريعات الحديثة

إبراهيم ياسين نويجي – المحامي

مقدمة

شهدت دولة قطر في السنوات الأخيرة طفرة رياضية هائلة، لم تقتصر على استضافة الأحداث الرياضية العالمية الكبرى مثل كأس العالم لكرة القدم 2022، بل امتدت لتشمل تطويراً شاملاً للبنية التحتية الرياضية والتشريعية. وفي هذا السياق، أولت قطر اهتماماً كبيراً بحقوق اللاعبين الرياضيين، سواء كانوا مواطنين أم مقيمين، من خلال سن وتحديث مجموعة من القوانين واللوائح التي تهدف إلى حماية حقوقهم وتوفير بيئة عمل آمنة ومستقرة لهم. يأتي هذا المقال لإلقاء الضوء على الواقع الفعلي لحقوق اللاعبين الرياضيين في قطر، مع التركيز على الجوانب المتعلقة بحماية العقود والمكافآت، وذلك بالاستناد إلى التشريعات والقوانين سارية المفعول، وتجنب المبالغات غير المبنية على أسس سليمة.

الإطار القانوني المنظم لحقوق اللاعبين الرياضيين في قطر

يحكم حقوق اللاعبين الرياضيين في قطر إطار قانوني متخصص يختلف عن القوانين العامة للعمل. فبينما تخضع معظم علاقات العمل في قطر لأحكام قانون العمل رقم 14 لسنة 2004 وتعديلاته، فإن النشاط الرياضي والعلاقات الناشئة عنه تحكمها قوانين ولوائح متخصصة تراعي الطبيعة الخاصة للعمل الرياضي.

يعتبر قانون تنظيم الأندية الرياضية رقم 1 لسنة 2016 وتعديلاته بموجب القانون رقم 12 لسنة 2018، هو المرجعية الأساسية التي تنظم النشاط الرياضي في قطر. وقد أكد هذا القانون على مبدأ أساسي وهو استقلالية الرياضة والالتزام بالمعايير الدولية ذات الصلة، والتي تتضمن المبادئ والقواعد المقررة بالميثاق الأولمبي والنظم الأساسية للاتحادات الرياضية الوطنية والدولية.

وفقاً للمادة (14) من قانون تنظيم الأندية الرياضية، فإن “الترخيص بممارسة النشاط الرياضي للنادي يندرج ضمن الاختصاص الحصري للاتحادات الرياضية الوطنية والدولية المعنية، وتخضع الأندية للقواعد واللوائح التي تقرها هذه الاتحادات”. وهذا يعني أن العلاقات الرياضية، بما في ذلك عقود اللاعبين، تحكمها لوائح الاتحادات الرياضية وليس القوانين العامة للعمل.

كما أن قانون رقم 21 لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم وتعديلاته، يكتسب أهمية خاصة بالنسبة للاعبين الأجانب المحترفين في قطر، حيث ينظم إجراءات استقدامهم وإقامتهم في الدولة.

حماية العقود: ضمان الاستقرار والشفافية وفقاً للوائح الرياضية

تعتبر عقود اللاعبين الرياضيين هي حجر الزاوية في علاقتهم مع الأندية، ولكن هذه العقود تخضع للوائح والقواعد التي تضعها الاتحادات الرياضية الوطنية والدولية، وليس لقانون العمل العام. وفيما يلي أبرز الجوانب التي تضمن حماية عقود اللاعبين في قطر:

أ. الخضوع للوائح الاتحادات الرياضية:

تخضع عقود اللاعبين في قطر للوائح والقواعد التي تضعها الاتحادات الرياضية المعنية، سواء كانت وطنية أو دولية. فعلى سبيل المثال، تخضع عقود لاعبي كرة القدم للوائح الاتحاد القطري لكرة القدم والاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA)، بينما تخضع عقود لاعبي كرة السلة للوائح الاتحاد القطري لكرة السلة والاتحاد الدولي لكرة السلة (FIBA)، وهكذا.

ب. معايير الشفافية والوضوح:

تشترط لوائح معظم الاتحادات الرياضية أن تكون العقود مكتوبة وواضحة، وأن تتضمن جميع الشروط والأحكام المتعلقة بالراتب والمكافآت والالتزامات المتبادلة. كما تشترط هذه اللوائح تسجيل العقود لدى الاتحاد المعني لضمان مطابقتها للقواعد المعمول بها.

ج. فترات التعاقد والانتقال:

تحدد لوائح الاتحادات الرياضية فترات التعاقد والانتقال، والتي تختلف من رياضة إلى أخرى. فعلى سبيل المثال، في كرة القدم، هناك فترتان للانتقالات في السنة (الصيفية والشتوية)، ولا يمكن للاعبين الانتقال خارج هذه الفترات إلا في ظروف استثنائية محددة.

د. حماية القُصر:

تولي لوائح الاتحادات الرياضية اهتماماً خاصاً بحماية اللاعبين القُصر، حيث تضع قيوداً صارمة على انتقالهم الدولي وتشترط موافقة الوالدين والسلطات المختصة على عقودهم.

حماية المكافآت والأجور: ضمان الحقوق المالية وفقاً للوائح الرياضية

تحرص الاتحادات الرياضية على حماية الحقوق المالية للاعبين من خلال مجموعة من الآليات والضوابط:

أ. الحق في الراتب والمكافآت:

تضمن لوائح الاتحادات الرياضية حق اللاعبين في الحصول على رواتبهم ومكافآتهم وفقاً لما هو محدد في عقودهم. وتشمل هذه المستحقات الراتب الأساسي، ومكافآت الفوز، ومكافآت الأداء، وأي مكافآت أخرى متفق عليها.

ب. آليات الدفع والشفافية:

تشترط معظم الاتحادات الرياضية أن يتم دفع رواتب اللاعبين في مواعيد محددة وبطرق موثقة. وفي قطر، يستفيد اللاعبون من نظام حماية الأجور (WPS) الذي يضمن تحويل رواتبهم إلى حساباتهم البنكية مباشرة، مما يوفر شفافية كاملة في عملية الدفع.

ج. ضمانات مالية من الأندية:

تشترط بعض الاتحادات الرياضية على الأندية تقديم ضمانات مالية لضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه اللاعبين. وهذا يوفر حماية إضافية للاعبين في حالة تعثر النادي مالياً.

د.  مسؤولية إدارة الأندية:

وفقاً لقانون تنظيم الأندية الرياضية، تقع على رئيس النادي مسؤولية الوفاء بجميع الالتزامات المالية المترتبة على النادي (المادة 41). وهذا يضمن وجود جهة مسؤولة يمكن الرجوع إليها في حالة تأخر النادي في دفع مستحقات اللاعبين.

تسوية المنازعات: الاختصاص الحصري للهيئات الرياضية

أحد أهم الجوانب التي تميز النظام القانوني للرياضة في قطر هو أن المحاكم العادية غير مختصة بنظر النزاعات التي يكون أصحابها من الرياضيين أو التي تنشأ بسبب عقد ممارسة رياضة من الرياضات الخاضعة لقانون الأندية الرياضية. وبدلاً من ذلك، تخضع هذه النزاعات للآليات التي تضعها الاتحادات الرياضية:

  • لجان فض المنازعات الرياضية:

تنشئ الاتحادات الرياضية لجاناً متخصصة لفض المنازعات الناشئة عن النشاط الرياضي. وتتكون هذه اللجان عادة من خبراء في القانون الرياضي ومختصين في الرياضة المعنية. وتتميز إجراءات هذه اللجان بالسرعة والتخصص، حيث تأخذ في الاعتبار الطبيعة الخاصة للنشاط الرياضي.

  •  التحكيم الرياضي:

في حالة النزاعات الأكثر تعقيداً أو التي تتضمن عناصر دولية، يمكن اللجوء إلى التحكيم الرياضي. وتعتبر محكمة التحكيم الرياضي (CAS) في لوزان بسويسرا هي الجهة العليا لتسوية النزاعات الرياضية على المستوى الدولي.

ج.  احترام المعايير الدولية:

وفقاً للمادة (54 مكرراً) من قانون تنظيم الأندية الرياضية، “يتم تسوية المنازعات الرياضية وفقاً للنظم الأساسية ولوائح الاتحادات الرياضية الوطنية والاتحادات الرياضية الدولية المعنية بها”. وهذا يضمن تطبيق المعايير الدولية في حل النزاعات الرياضية.

د.  الطعن والاستئناف:

تتيح لوائح معظم الاتحادات الرياضية إمكانية الطعن في قرارات لجان فض المنازعات أمام هيئات أعلى، وصولاً إلى محكمة التحكيم الرياضي في الحالات المناسبة. وهذا يضمن وجود درجات متعددة للتقاضي وحماية حقوق جميع الأطراف.

الاستقلالية الرياضية: مبدأ أساسي في التشريع القطري

يؤكد قانون تنظيم الأندية الرياضية على مبدأ استقلالية الرياضة كأحد المبادئ الأساسية التي تحكم النشاط الرياضي في قطر. وتتجلى هذه الاستقلالية في عدة جوانب:

أ. الاختصاص الحصري للاتحادات الرياضية:

تنص المادة (14) من القانون على أن “الترخيص بممارسة النشاط الرياضي للنادي يندرج ضمن الاختصاص الحصري للاتحادات الرياضية الوطنية والدولية المعنية، ولا يكون للإدارة المختصة أية سلطة فعلية أو اختصاص بترخيص أي نشاط رياضي يمارسه النادي بعد الانتهاء من إجراءات تسجيله وإشهاره من الناحية القانونية”.

  • احترام المعايير الدولية:

تنص المادة (50) من القانون على وجوب “مراعاة واحترام مبادئ استقلالية الرياضة والمعايير الدولية ذات الصلة، والتي تتضمن المبادئ والقواعد المقررة بالميثاق الأولمبي والنظم الأساسية للاتحادات الرياضية الوطنية والدولية، والمدونة العالمية لمكافحة المنشطات”.

  • عدم التدخل الحكومي:

يؤكد القانون على عدم تدخل السلطات الحكومية في الشؤون الداخلية للاتحادات الرياضية والأندية، باستثناء الجوانب الإدارية المحددة مثل التسجيل والإشهار.

حقوق خاصة للرياضيين في قطر

إلى جانب الحماية التي توفرها لوائح الاتحادات الرياضية، يوفر التشريع القطري حقوقاً خاصة للرياضيين:

أ. إجازة التفرغ للموظفين الرياضيين:

تنص المادة (54 مكرر 1) من قانون تنظيم الأندية الرياضية على إمكانية منح إجازة تفرغ استثنائية براتب إجمالي للموظفين القطريين العاملين بالجهاز الإداري للدولة لشغل وظائف تنفيذية في الأندية، مع الاحتفاظ بكافة حقوقهم الوظيفية والقانونية.

ب. إجازة التفرغ للطلاب الرياضيين:

تنص المادة (54 مكرر 2) على منح الرياضيين من طلاب الجامعات والمعاهد والمدارس إجازة تفرغ للمشاركة في الدورات والبطولات الأولمبية والعالمية والقارية والإقليمية والعربية، دون اعتبار ذلك انقطاعاً عن الدراسة.

ج. حرية الانتقال للاعبين الوافدين:

وفقاً لتعديلات قانون تنظيم دخول وخروج الوافدين، يحق للاعب الوافد الخروج من البلاد والانتقال لنادٍ آخر وفقاً للضوابط المحددة في لوائح الاتحادات الرياضية، دون الحاجة لموافقة النادي السابق في حالات معينة.

خاتمة

تتميز دولة قطر بنظام قانوني متطور لحماية حقوق اللاعبين الرياضيين، يقوم على مبدأ استقلالية الرياضة واحترام المعايير الدولية. وبينما لا تخضع النزاعات الرياضية للمحاكم العادية أو لقانون العمل العام، فإن لوائح الاتحادات الرياضية توفر حماية شاملة وفعالة لحقوق اللاعبين، مع آليات متخصصة لتسوية المنازعات تراعي الطبيعة الخاصة للنشاط الرياضي.

إن هذا النهج المتخصص يضمن تطبيق أفضل الممارسات الدولية في مجال الرياضة، ويساهم في جعل قطر وجهة مفضلة للاعبين والمحترفين الرياضيين من جميع أنحاء العالم. ومع استمرار التطورات التي تشهدها الساحة الرياضية القطرية، فمن المتوقع أن تستمر هذه المنظومة في التطور والتحديث لتواكب أحدث المعايير الدولية وتوفر المزيد من الحماية والضمانات للاعبين الرياضيين.

المراجع

  1. قانون تنظيم الأندية الرياضية رقم 1 لسنة 2016
  2. قانون رقم 12 لسنة 2018 بتعديل بعض أحكام القانون رقم (1) لسنة 2016 بتنظيم الأندية الرياضية
  3. قانون رقم 21 لسنة 2015 بتنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم
  4. قانون العمل رقم 14 لسنة 2004 (للمقارنة والتمييز)
  5. مرسوم بقانون رقم 18 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قانون العمل (للمقارنة والتمييز)